إعداد: رشيد نجيب
أصدر مؤخرا الباحث المغربي محمد مستاوي كتابا متميزا بعنوان: “منتخبات من شعر المقاوم الرايس الحسين جانطي” في 122 صفحة من الحجم المتوسط بدعم من جمعية سوس ماسة درعة للتنمية الثقافية ضمن منشورات مجلة تاوسنا. ويندرج هذا الكتاب ضمن المشروع الثقافي الذي بدأه الأستاذ محمد مستاوي منذ سنوات والمتمثل في تدوين وجمع قصائد الفنانين الروايس وتوثيقها كتراث ثقافي لامادي، إذ سبق له وأن أصدر منذ سنوات مؤلفات وثق من خلالها للإبداعات الفنية الخالدة لعدد من الروايس من قبيل: محمد الدمسيري، الحاج بلعيد، سعيد أشتوك وغيرهم.
ويعتبر هذا الكتاب الجديد متميزا لأن الباحث بذل فيه مجهودا جبارا في سبيل جمع مادته الإبداعية اعتبارا لكون الشاعر والرايس الشعبي الحسين جانتي لم يترك لأسباب شخصية أية تسجيلات لإبداعاته الوافرة، وقد تطلب الأمر من الباحث الميداني محمد مستاوي القيام بعدة رحلات دراسية إلى مسقط رأس الشاعر مدينة بيكرا في الجنوب المغربي وعقد عدد من جلسات الاستماع سواء مع أفراد عائلته أو أعضاء فرقته الموسيقية أو كذلك مع عدد من مجايليه من أجل تسجيل وتوثيق ما تحتفظ به ذاكرتهم من إبداعات الرايس جانتي. ومن جهة أخرى، اعتبارا للمكانة الرمزية للرايس الحسين جانتي في مغرب النضال والكفاح الوطني ضد الاستعمار، لأن أغلب شعره يغلب عليه الجانب المتعلق بالحماس الوطني ونبذ الاستعمار والدعوة إلى المقاومة من أجل نيل الحرية والاستقلال. لقد اختار الحسين جانتي الاصطفاف إلى جانب قضية شعبه ووطنه بمعية شعراء آخرين أفذاذ مثل: الرايس الحاج عمر واهروش، الرايس بوبكر أزعري، الرايس الحسن بومارك…والذين تحفل إبداعاتهم بالدفاع عن القيم الوطني معبرين عن التزام واضح إلى جانب قضايا الوطن وهمومه ومشاكله، بعيدا عن الارتماء في حضن القياد والباشوات الكبار الذين عرفوا إبان الفترة الاستعمارية. فالقصائد الوطنية لهؤلاء الروايس ومنهم الحسين جانتي تعتبر بحق سجلا خالدا لتاريخ المقاومة بالجنوب المغربي وتراثا لاماديا في الوقت الذي تغيب فيه الوثائق والمذكرات المكتوبة التي ستمكن من قراءة تاريخ هذه المقاومة التي عرف بها الجنوب المغربي عموما ومنطقة سوس على وجه التحديد اعتبارا لكون جهة سوس هي أخر منطقة دخلتها القوات الاستعمارية الفرنسية خلال أواسط الثلاثينيات من القرن العشرين بعد مقاومات عنيفة.
وإذا كان الكتاب الأخير للأستاذ محمد مستاوي وسيلة للتعرف على نماذج من أشعار الرايس جانتي ووضعها رهن إشارة الباحثين للاشتغال عليها والعمل على تحليلها، فإنه كذلك يمثل فرصة للتعرف على الرايس جانتي كفنان مبدع وكمقاوم. اسمه الحقيقي الحسين بن عبد الله أبومالك (1900-1975)، ينحدر من قرية إيمزيلن قريبا من مدينة بيكرا بناحية أكادير، أما اسم جانتي فما هو إلا لقب أطلقته عليه إحدى المعمرات الفرنسيات التي اشتغل عندها أجيرا في الدار البيضاء والتي أعجبت بفطنته وذكائه ولطفه. اختار قرض الشعر كوسيلة للتنديد بالسياسات الاستعمارية وتوعية الجماهير بخطر الاستعمار، وهو ما عرضه للسجن مرارا بكل من الدار البيضاء وأكادير وتيزنيت قبل أن تفرض عليه الإقامة الجبرية بمسقط رأسه. فهو إذن شاعر المقاومة الأول وهو شاعر الحركة الوطنية الأعظم وصاحب الكلمة الإبداعية الفتاكة على حد تعبير العديد من الروايس الذين عايشوه في زمن كان فيه الشعر بمثابة البيان النضالي والجريدة النضالية المحركة للجماهير.
لقد تمكن الباحث محمد مستاوي من خلال كتابه الأخير من توثيق عدد من القصائد الشعرية التي ألقاها وغناها الرايس الحسين جانتي في العديد من المناسبات، ويندرج مجملها في إطار الشعر الوطني أو شعر المقاومة. مساهما بذلك من إنقاذها من الضياع، ومن العناوين المتضمنة بالكتاب نجد: ءانف ئسوس، تلاتا ؤخمسين، رايس، نضفار ئسكاسن، وانا ؤر ئكين ؤشن،…
وخلص الباحث محمد مستاوي إلى كون كتابه هذا ما هو إلا كوب ماء صغير من بحر كانت أمواجه يلاطم بعضها البعض قبل أن يجف معينه تاركا علامات على شكل قصائد جد قليلة يتضمنها هذا الديوان الجديد.