قراءة في المجموعة القصصية Agatn g wanu

You are currently viewing قراءة في المجموعة القصصية  Agatn g wanu

 ذ. الحسن زهور

الكاتب : محمد گارحو.

عنوان المجموعة :    Agatn g wanu  – دلاء في البئر.

النوع : القصة القصيرة.

الصدور : 2014.

تعتمد هذه القراءة للمجموعة القصصية  ” Agatn v wanu ” (1) للكاتب محمد كارحو على منهجية تحليلية تحاول المزج بين التحليل النفسي و التحليل الاجتماعي للنصوص القصصية لهذه المجموعة، محاولة نقدية تروم مقاربة هذه النصوص للكشف عن بعض المظاهر النفسية و الاجتماعية لشخصيات المجموعة و المرتبطة بواقع نفسي و ذاتي، و بواقع اجتماعي حاول الكاتب سبر بعض مكامن الغور فيه بفنية سردية لم تغمط فن القصة جنسها و خصوصيتها.

 عنوان المجموعة:

” Agatn v wanu ” أي دلاء في البئر، يفصح العنوان عن مجالين يبدوان منسجمين بفعل الوظيفة التي ترتبط كل منهما بالآخر، لكنهما مختلفان باعتبار أن كلا منهما ينتمي إلى مجال مختلف عن الآخر، أولهما اصطناعي ينتمي إلى عالم الثقافة بينما الثاني طبيعي ينتمي إلى عالم الطبيعة، والعلاقة التي تجمع الاثنين هي علاقة ارتباط بفعل تدخل طرف ثالث هو الإنسان ليصل إلى الماء كمادة حيوية لحياته و لاستمراره هو و استمرار جنسه، فلا وظيفة للدلو بدون بئر ، و لا  وظيفة للبئر دو دلو  و لا وظيفة لكليهما دون وجود الماء، هذا التفاعل بين الاثنين ( البئر و الدلو) هو ما يعطي لطرفي المعادلة أهميتهما الأساسية ، إذ حين ينتفي أحد طرفيها ينتفي بالضرورة الطرف الآخر. هذا الانسجام لا يحجب عنا طبيعة الطرفين، البئر يتطلب عملية حفر نحو باطن الأرض، و الدلو يتطلب صناعة تحوله إلى أداة خاصة ليست للحفر و إنما لرفع الماء و كأننا هنا أمام عمليتين عكسيتين ، الأولى تتجه الى الباطن و الأخرى تبحث عن مكنوه هذا الباطن لإجلائه و رفعه  من أجل وظيفة إحيائية سواء بالنسبة للأرض أو بالنسبة للكائن الحي، و الفاعل الرئيسي هو الإنسان.

إذن من خلال العنوان يتبدى لنا هذا الجانب الدلالي و السيميائي الذي يفتح لنا زاوية للدخول إلى سبر بعض الجوانب النفسية و الاجتماعية و الثقافية لبعض الشخصيات المتصارعة مع ذواتها حينا و مع باقي الشخصيات الأخرى حينا آخر في نصوص المجموعة القصصية. صراعات نفسية داخلية متقاطعة مع أخرى خارجية هي ما تحاول بعض النصوص القصصية استجلاءها وراء كتبة سردية تحاول  إخفاء دلالاتها و مكنوناتها عبر تقنيات السرد التي غالبا ما توهم القارئ بمعنى ما ، بصورة ما ، أو بدلالات ظاهرية ما لكنها أمام التحليل المنهجي تنفتح على دلالات سيميائية  أكثر عمقا مما يتوقعه القارئ.

الغوص في النصوص:

 أول نص نصصي تبتدئ بها المجموعة القصصية  يحمل نفس عنوان المجموعة ” Agatn v wanu “،

عنوان القصة يحيل إلى طرفين أساسيين في هذه العلاقة التي تجمع بينهما، و العلاقة هنا هي علاقة ولوج الطرف الأول وهو أداة اصطناعية بما تحمله من دلالات ثقافية و حضارية في طرف ثان طبيعي تدخلت فيه ثقافة الإنسان ليصل إلى عمقه الطبيعي و هو الماء كرمز للخلق و النشوء، بما يحمله الماء  من أهمية دلالية في خلق الحضارات و نشوئها.

العنوان يحيل إلى مجالين : مجال ثقافي و حضاري  ” الدلو” و مجال طبيعي  ( الماء)، و العلاقة هنا هي علاقة فعل ملازم للطرفين بوجود مادة طبيعية تتطلب أداة ثقافية و حضارية، لكن ماذا لو استبدلنا هذه الأداة الحضارية بأداة أكثر تطورا منها بفعل التقدم الحضاري في عصرنا الراهن؟ و ما مدى ارتباط الدلو كأداة حضارية بمجتمع له خصوصيته الثقافية و الحضارية مرتبطة بنمط اقتصادي زراعي فلاحي مرتبط بالأرض؟ و ما هي النتائج الثقافية و الحضارية المرتبطة باستبدال هذه الأداة بأدوات أكثر تطورا مرتبطة بمجتمع حديث ينفصل عن الأرض ؟ و هل عملية الاستبدال عملية آلية أم عملية ثقافية و حضارية؟ هذه بعض الأسئلة المشوشة التي تحاول بعض النصوص القصصية في المجموعة الاقتراب منها بطريقتها الفنية  الملتزمة بخصائص جنسها السردي.agatn-g-wamun-garhu

قصة ” Agatn v wanu ” التي افتتح بها الكاتب مجموعته القصصية تنبني أحداثها على هذه التساؤلات و تحاول الإجابة عنها بطريقتها الإبداعية و الفنية.  تعكس أحداث قصة ، صراعا بين نمطين من العيش داخل المجتمع الذي تدور فيه أحداث القصة، يرتبط كل نمط بثقافة و حضارة معينة يلتقيان حينا و يتقاطعان حينا آخر.  الأول نمط ثقافي مرتبط بالأرض، و الثاني نمط أخر دخيل مرتبط بالحضارة الحديثة لم يراع خصوصية ثقافة الأرض الذي استنبت فيه.

تتحدث القصة عن أسرتين تعيشان في مجتمع له خصوصيته الثقافية و الحضارية المرتبطة بالأرض، الأسرة الأولى بقيت وفية لهذا النموذج الثقافي و الحضاري، وفاء ينعكس في تشبثها بالمنزل الموروث عن الآباء و بنمط العيش المرتبط بالأرض ( تربية الدجاج، البقرة، الدابة..) و الاعتماد على الوسائل التقليدية الموروثة و على ما تزرعه ..

الأسرة الثانية ترتبط بالنموذج الحديث للحضارة الحديثة دون مراعاة لخصوصية ثقافتها الأصلية، حيث أقحمت مقومات الحضارة الحديثة في البيئة الأصلية لهذه الأسرة  إقحاما جعلها في الأخير تتخلى عن مقومات هذه الحضارة الحديثة.

 في القصة يتخذ الصراع  طابع تنافس بين الأسرتين لكنه تنافس عكسي لا يراعي مجريات الواقع كما يجب أن يكون. الأسرة الأولى تسكن بيتها التقليدي كما ورثته عن الآباء بمستلزماته التقليدية المرتبطة بتربية الحيوانات و الدواجن و فلاحة الأرض، لكن الزوجة تشتكي من خشونة العيش فيه خصوصا في فصل الشتاء حيث لا يقوى البناء التقليدي على تحمل الأمطار، و تتطلع الزوجة الى الأسرة الأخرى التي تسكن بيتا اسمنتيا و تغبطها متوهمة بأن صاحبتها تنعم برغد العيش فيه، تساعدها في ذلك مستلزمات العيش الحضارية المرافقة للأسمنت. لكن في المقابل الصورة الأخرى، صورة الأسرة الثانية التي تعيش في البيت الإسمنتي، فرغم توفر الزوجة على ضروريات الحياة العصرية فإنها دوما تشتكي من رتابة حياتها ومن برودة البيت أيام القر و حرارته أيام القيظ، كما تتطلع الى البيت الطيني الذي تسكنه الأسرة الأولى متمنية العودة الى الأصول و العيش عيشة الآباء بالارتباط بالأرض و بحيواناتها.. 

تتوالى أحداث القصة لتتبادل الأسرتين الأدوار، تبيع الأولى منزلها الطيني لتستقر في بيت اسمنتي، و تبيع الثانية منزلها الأسمنتي لتبتاع بيتا طينيا، لتنتهي القصة بحوار بين ربي الأسرة الثانية التي تحولت إلى البيت الطيني (2):

الزوجة:

“Awa frujju sul gh tgmmi ad, rtgha gh tgrst, tzuzwu gh unbgu, timim tiram lli gis nssnwa”-

–          انعم بهذا البيت، انعم بدفئه شتاء و اعتداله صيفا، و بلذة مأكله.

 يجيبها الزوج:

–          “Max nufl imzwura, ssnn mad tra tmazirt ad”

–          هل تشكين في ما اختاره الأجداد لهذه الأرض الطيبة؟”.

و تضيف الزوجة :

–          Ad  igan tidt, hann middn gan zund ukan agatn gh wanu, had gisn mad ighlin….

–          الحقيقة أن الناس مثل أدلاء في بئر، البعض يعلو و هو مليء ماء، و الآخر ينزل يبتغي الماء ،و البعض تشابكن حباله”.

بهذه الحكمة تنتهي القصة منهية صراعا بين أسرتين و بين نمطين اقتصاديين، و بين بنيتين ثقافيين، ليبدأ هذا الصراع من جديد بينهما ما دام

الطرفان لم يجدا حلا لنمط ثقافي جديد يجمعهما في بنية واحدة لا ينفي الحديث بايجابيته و لا يقصي القديم بهويته و بثقافته. نمط جديد يجمع بين الطرفين المتصارعين أي بين نمط حديث بمعطياته الحديثة و بين نمط تقليدي بثقافته المرتبطة بالأرض.

التيمات الأساسية في المجموعة القصصية:

لعل ما يلاحظ في نصوص هذه المجموعة القصصية هي هيمنة ثنائية الزمن: الماضي و الحاضر، و ما يرتبط بهما من خصائص ثقافية و حضارية بالنسبة للجماعية و خصائص سلوكية بالنسبة للفرد.

يرتبط الماضي في المجموعة بنموذج مثالي في ذاكرة بعض أبطال قصص الكاتب مقارنة بالحاضر، و هو في نفس الوقت هو نموذج لمجتمع متشبع بالقيم الإنسانية و الأخلاقية مقارنة بواقع حالي تعز فيه هذه القيم.

في القصة السادسة بعنوان ” Tadkmit “ أي اللقمة، تبدأ الأحداث بمحاولات الابن تكوير لقمة ” الكسكس”، فيتدخل الأب لتعليم ابنه كيفية تكويرها، ليمتد الحديث و الحوار إلى المقارنة بين الماضي و الحاضر.  الابن يسرد منجزات الحاضر الحضارية و الصناعية مفتخرا به  و في نفس الوقت مفتخرا بحاضره  و بجيله، و الأب يمجد الماضي بقيمه الثقافية و الحضارية و مفتخرا بفصاحة اللغة و حمولتها البياينة في الماضي قبل أن تفقد هويتها في الحاضر، هذه الثنائية بين الماضي و الحاضر ممثلة في الأب و الابن  هو ما جعل النص يغلب عليه الطابع الحواري، حيث يمتد الحوار إلى آخر النص حين يقر الابن  بحلاوة و حسن الكلام و بعمق حكم الأب حول ” قصعة ” الكسكس (3):

           يقول الابن لأبيه:

–          Mkad fulkin iwaliwn nnk a baba gh iggi n uzlaf ad n sksu »

” ما أحلى كلامك يا أبي  حول قصعة الكسكس هذه!”.

يجيبه الأب:

–          Is tzrit ma mi d nnarzmgh d iwaliwn?

ألا ترى إلى ما يسيل به لساني من حكم!

يستلذ الابن كلام أبيه قائلا:

–          Mk ad tmmim tadkmit ad d iwaliwn ad

ما ألذ هذه اللقمة المستلذة بكلامك يا أبي!

فيجيبه الأب بحكمة :

Hati tadkmit n ufus n yan, nttat as inqqa laz nns.

“اللقمة التي يصنعها الإنسان بيده هي التي تدفع عنه الجوع يا ابني”.

في إشارة من الأب الى أن الهوية المرتبطة بالماضي هي التي تحمي الإنسان من الجوع الحضاري و من الاندثار و الانمحاء في هوية الآخرين.

إن ما يشغل الكاتب في نصوصه القصصية الإبداعية التي ضمتها مجموعته القصصية هذه هي الزمن. الزمن في النصوص ليس زمنا بمفهومه العادي المحدد بالساعات و الأيام و السنوات، و ليس الزمن وسيلة لترتيب الأحداث حسب وقوعها في الماضي و الحاضر أو المحتمل حدوثها مستقبلا، و ليس الزمن مقياسا لحياة الإنسان أو ما يحيط به، الزمن في المجموعة القصصية ” أكاتن غ وانو ” زمن لا يمكن فصله عن البيئة الثقافية و الحضارية التي تحتضنه،  أي عن المكان بما يحمله من خصائص و مكونات ثقافية و حضارية للذين يعيشون فيه.

الزمن هنا له خاصيته الهوياتية مرتبطة بمن يسري عليهم هذا الزمن. الزمن كمفهوم مادي يحمل في ذاته استمرارية و سريانا دائما  نحو الأمام ، لكنه في المجموعة إضافة إلى مفهومه المادي هذا هو ارتداد و نكوص عن زمن ولى مرتبط بخصائص قيمية و هوياتية للمجموعة البشرية التي تعيش هذا الزمن، لذلك يحمل في ذاته المجتمعية ( أي في المجتمع الذي يحياه) صراعا و تناقضا بين من يراه ارتدادا عما يحمله من خصائصه الثقافية التي تميزه عن غيره و بين من يراه تطورا ماديا و حضاريا بغض النظر عن سلبياته التي تمحي خصوصياته الثقافية. هذا التناقض و الصراع بين النظرتين الى الزمن غالبا ما تنتهي في أغلب نصوص المجموعة بالعودة الى الهوية الثقافية كما كانت في الماضي، أو الإشادة  بها.

ففي قصة ” Agatn v wanu ” ترجع الأسرة التي كانت تعيش في بيت عصري اسمنتي الى بيت تقليدي مبني بالتراب :

“tqburt, tskr tafunast, ifullusn, taddart n tzzwa, ar tssnwa aghrum n tannurt. Tamghart yuDan s  

المرأة التي رجعت للسكن في البيت التقليدي، امتلكت الآن بقرة و دجاجا  و خلية نحل، وتتذوق الآن الخبز التقليدي..”.

في قصة  ” Tadkmit “ أي اللقمة، و في حوار بين الأب و الابن حول قصعة كسكس، حين يستعمل الابن ملعقة يحاول الأب اقناع ابنه بالخصائص الثقافية المرتبطة بأكلة الكسكس كرمز للهوية الأمازيغية حين يقنعه بمميزات الأكل باليد بدلا من الملعقة ( كرمز للانسلاخ عن الهوية).

تنتهي القصة بحكمة الأب يوجهها لابنه :

Hati tadkmit n ufus n yan, nttat as inqqa laz nns.

“اللقمة التي يصنعها الإنسان بيده هي التي تدفع عنه الجوع يا ابني”.

الجوع هنا ليس جوعا ماديا فقط لكنه الجوع الثقافي و الحضاري الذي يحس به الإنسان حين ينسلخ عن هويته الثقافية و الحضارية.

في قصة ” Imghi  ” عندما يعود الابن من غيبته الطويلة التي غاب فيها عن أمه التي رجته أن يبقى في بلدته و لو ضاقت به الحياة لكنه أصر على الهجرة بحثا عن العمل، يجد أمه شبعت موتا، فيقف أما بيته المتهالك و يصيخ:

“Uddu s tgmmi nns, yaf nn tigmmi ar txlla s umarg n ayt dars, yall imi nns, ar ittini:

–          tghwZan immi lli innan:imghi lli rad ig sksu zik ad ittnfalal”.

وقف أمام بيته المتهالك حزنا و شوقا الى ساكنيه  الذي ماتوا، فصاح بملء فيه:

–          صدقت يا أمي: النبتة التي ستعطي كسكسا تعرف منذ ظهورها في الحقل”.

على المستوى الفني يوظف الكاتب في أغلب قصصه أشكالا فنية من التراث بالاعتماد على الحكم المأثورة و على الأمثال كوسيلة فنية و دلالية يحاول بها تعزيز و تمتين و تثمين وجهة نظر الشخصيات الأساسية التي تمثل الوجه الثقافي و الحضاري الأصيل في بعض نصوصه التي تحدد مجاهله التيماتي في هذا الصراع بين الماضي الثقافي و بين الحاضر المنسلخ عنه. 

ففي أغلب قصص محمد كارحو تنتهي نهاياتها بحكمة أو موعظة أو مثل من التراث الأدبي الأمازيغي، و هو ما نجده في  قصص  ” Agatn v wanu ” ، و ” Tadkmit”، و ”  Awak n ulucc “، و ” Imghi ” و ” Ils n yan “..

الهوامش:

1-      صدرت سنة 2014 عن مركز الطباعة بأيت ملول.

2-      المجموعة ص 12 و 13.

3-      المجموعة ص 55