قراءة في المجموعة القصصية ” تيلاك” لمحمد فريد زالحوض

You are currently viewing قراءة في المجموعة القصصية ” تيلاك” لمحمد فريد زالحوض

الحسن زهور

العنوان:    تيلاك Tilag- إغماءة.
النوع:       مجموعة قصصية.
الكاتب :     محمد فريد زالحوظ.
تاريخ الصدور:    2014.
الناشر:        رابطة تيرا.

 

تتكون المجموعة من سبع قصص : تازارت ( شجرة التين)، تاوالا(Tazart) ، أمكلال ( Amaglal) ، تيلاك ( Tilag)، ايار (Ayar) ، تابركنا ( Tagrknna) ، أليلي ( Alili) ، شيها  ( Ciha) .

تستمد  المجموعة مواضيعها من الواقع المعيشي في حاضرة من الحواضر الأمازيغية ، و تتوزع شخصياتها و تتنوع و لكن الغالب فيها هي شخصية المثقف الذي يعيش غربة داخل مجتمعه من جهة و معاناة ذاتية و فكرية نتيجة هذا الاغتراب من جهة ثلنية. غربة المثقف هنا تنغمس في مرارة حياتية و ثقافية ، مرارة تفرزها علاقته بالواقع الاجتماعي القائم من جهة ، و بعلاقته الواقع الثقافي العام الذي يهمش المثقف خصوصا الحامل للثقافة للأمازيفغية و المناضل من أجل أن تجد لها مكانا في وطنها.

 إذن فالاغتراب هو السمة الغالبة على النصوص القصصية لهذه المجموعة القصصية للشاعر و الأديب فريد زالحوض. فقصص ” ، تيلاك  ( Tilag)، ايار (Ayar) ، أليلي ( Alili)..” تتناول هذا الاغتراب الذي يعيشه البطل في مجتمعه، مجتمع لا يولي أهمية  للفكر و للعمل الإبداعي و الثقافي بقدر ما يهمه التنافس في اقتناء الوسائل الاستهلاكية الحديثة كسلع رمزية للتفوق الاجتماعي و وسائل للتنافس على المكانة الاجتماعية في المجتمع . فأبطال هذه النصوص القصصية يعيشون انتقال المجتمع من مجتمع كان يعيش على ما نمط اقتصادي فلاحي  و ما يرتبط به من قيم  ثقافية و حضارية تعتز بخصوصية مرتبطة بهذه الارض، الى مجتمع استهلاكي لا يعير اي اهتمام للثقافة و للشعر الذي عرف به سابقا.

و يتبدى اغتراب المثقف، بصورة واضحة معبرة عن مدى ما يعيشه في مجتمعه، في قصة “تيلاك” التي تتخذ موقعها الترتيبي وسط المجموعة القصصية، و هو نفس العنوان الذي أعطي لهذه المجموعة القصصية كعتبة من أولى العتبات التي يلج منها القارئ الى نصوص المجموعة، و هو عنوان يحمل في طياته نوع من الهروب الطبيعي أو رد فعل طبيعي إزاء واقع مأساوي، وهو عنوان نص قصصي داخل المجموعة  أعطي في نفس الوقت للمجموعة ككل للتعبير عن هذا الاغتراب الذي يعيشه البطل المأساوي و هو هنا  المثقف و المبدع.

 قصة ” تيلاك- Tilag” تتحدث عن شاعر مبدع يتخذ اسم ” أماكسال”، يحس بوحدته التي يعيشها داخل  مجتمع يقيس قيمة الفرد بما حققه من نجاح مادي و بما يملكه من وسائل الاستهلاك الحديثة، و يمتد إحساسه بهذه الوحدة التي تغلف كيانه النفسي و المعنوي الى داخل أسرته الصغيرة متمثلة في زوجته التي  تكيل له اللوم و تذكره بما حققه أقرانه من نجاح ، و النجاح في نظرها و نظر مجتمعها يقاس بمقياس اجتماعي يعتمد على ما حققه الفرد من تفوق اجتماعي تتضح معالمه في حياته اليومية بما يكسبه من الوسائل الاستهلاكية و من المقتنيات العصرية و غيرها من المظاهر المادية.

 الإحساس بالوحدة و بالغربة لدى البطل هنا مسيج في دائرتين، دائرة صغرى هي البيت و دائرة كبرى هو المحيط الاجتماعي و كلتاهما تضيقان على البطل المثقف لتدفعانه نحو التأزم النفسي.tilag-zalhud

البطل أماكسال وحيدا بوحدته، لكنه يعتز بما يملكه من تميز يعكسه هذا الحس الشعري و بقيمته الوجودية. تقوده القصيدة الشعرية التي أعلنت عن اقتراب ميلادها الوشيك للخروج الى البساتين عله يسعفها في هذا المحيط الطبيعي البعيد عن الضوضاء و زيف العلاقات الاجتماعية ، و أمام  وجع المخاض و ألمه يتجه الشاعر أماكسال الى الطبيعة مزودا بمشروب “ماء الحياة ” كمسكن لهذا الألم الواخز الذي يرافق ساعة المخاض. لكن كؤوس ماء الحياة خذلته كما خذله واقعه المعاش ، واقعه الاجتماعي الذي لا يرى في الحياة الا جانبه المادي و ما يملكه الفرد من وسائل العيش المادية المرتبطة بالحضارة المادية التي اكتسحت المجتمع.

وحيدا في الطبيعة ممزقا ما بين قصيدة ينتظر مخاضها و ميلادها و ما بين ماء الحياة كوسيلة مساعدة لتخفيف ألم المخاض، يغيب الشاعر عن الوعي، و لن يفيق من غيبوبته إلا مع آذان المغرب ليجد نفسه مخذولا من الجميع ، القصيدة التي تألم من أجلها خذلته، ماء الحياة التي عقرها خذلته بدورها، و كذلك المجتمع ، اسرته.. و أمام هذه المأساة التي بلغت ذروتها، لم يستطع الشاعر أن يطيقها فكسر قلمه و مزق اوراقه و دق أصابعه التي يكتب بها بحجر فأدماها، ثم رجع الى بيته و في نفسه لهيب التمرد يؤجج كيانه النفسي فيتجه الى مكتبته فيبعثر كتبها ، و يراكمها في وسط الغرفة ليشعل النار فيها. لكن منظر الكتب التي تحترق أصاب عمق كيانه الشاعري فصرخ يطلب النجدة لتغيثه زوجته . وتنطفئ النار لكن زوجته تغيب عن الوعي لما رأت الدماء تسيل من أصابع زوجها الشاعر.

ما يغلب على قصص هذه المجموعة القصصية هو هذا التمرد الذي يغلف بشكل مباشر أو غير مباشر القضاء الذاتي لشخصيا ت المجموعة، إضافة الى الوجود الانساني الذي يجسده الفرد المثقف من جهة و باقي أفراد مجتمعه.

 في قصة “أمكلال” بمعنى الجنة، في طريقهما الى البيت  يطرح الابن / التلميذ على ابيه المثقف أسئلة وجودية مرتبطة بشرارات عقله المتقد، و بما تلقاه الابن في المدرسة  من أفكار تتماشى بما يومن به الناس في مجتمعه، و تتجسد هذه الأسئلة حول  الوجود الإنساني و مصيره، أجوبة  لم يستطع الأب الإجابة عنها تلك اللحظة لأنه مشغول بالبحث عن الخبز. و تشغل هذه الأسئلة الوجودية التي يطرحها الطفل ذهن الأب، وأمام البيت و أثناء فتحه الباب يهتدي الأب إلى جواب معتقدا أنه أطفأ لهيب الأسئلة التي تشغل بال ابنه الطفل.

شخصيات المجموعة :

ترتبط شخصيات القصة بفضاء مكاني يتأرجح بين ما هو شبه حضري و بين ما هو قروي، مما يجعل شخصيات النصوص القصصية تتعدد و تتنوع، ولكن ما يلاحظ في النصوص القصصية هو هيمنة الشخصية المثقفة و الفنية وتمثله شخصية  الشاعر الفنان التي تعيش عالمها الثقافي المسكون بوعي شقي مما يجعلها تعيش غربتها الفنية من جهة و غربتها المكانية في وسط لا يعطي للشعر و للفن قيمته . ففي قصة ” تيلاك/ إغماء” تتحدث القصة عن مأساة شاعر و غربته في وسطه الأسري و الاجتماعي، و في قصة ” ايار” التي تتخذ اسم شخصيتها ” ايار ” عنوانا لها، تتمحور أحداث القصة حول شخصية فنان من فناني احواش كفنان استهواه الفن و ملك حياته لكن الفن لا يمنحه الا الفقر، فالإنتاج الفني في وسط لا يقدر الفن شبيه بشي ينفر منه الناس، و في قصة ” أمكلال” تتمحور أحداث القصة حول شخصيتي التلميذ ” يوبا”  و ابوه المثقف.

السارد و البنية السردية:

أغلب قصص المجموعة تخضع للنمط السردي القصصي الذي تسير فيها الأحداث وفق نمط سردي و زمني يبتدئ بالبدايات لينتهي الى نهايات تكون أحيانا غير متوقعة، و لتكسير هذه النمطية يلتجئ الكاتب أحيانا الى تقنيات فنية متعددة منها ما استقاها من تقنيات السرد الحكائي، و منها ما استقاها من الفن السينيمائي..

داخل هذا النمط السردي القصصي يقوم الكاتب بتوظيف بعض التقنيات السردية الحكائية  التراثية، نجد أمثلة لها في توظيف الكاتب لتقنية التشويق المبنية على فتح آفاق السرد عن طريق اشتراط  جواب بطل القصة عن تساؤل شخصية مرافقة له يكون مقابل أداء هذه الأخيرة لعمل ما يطلبه بطل القصة مما يدفع بالأحداث عبر مسار السرد نحو أفاق أخرى،  وهي تقنية تعتمد عليها الحكايات. ففي قصة ” أليلي/ الدفلى”  يستغل الكاتب هذه التقنية ، فحين يسأل العامل الذي أتى به بطل القصة ليحفر و لبغرس له أشجار الدفلى في حديقة بيته لماذا الدفلى و ليس أشجار الفاكهة؟ اشترط عليه البطل أن مقابل الجواب عن سؤاله بعد انتهائه من عملية الغرس يكون هو   أجرته، فقبل العامل الشرط.

 في قصة ” أيار” يوظف الكاتب الحلم كتقنية فنية تجعل القارئ مشدودا إلى أحداث القصة، الحلم في القصة يتسلل في النص السردي  بتقنية سينيمائية تنقل القارئ فجأة الى عالم أخر عالم النحل حين يتحول الفنان الى نحلة لتوالى الأحداث العجيبة، لكن في النهاية  تنتهي القصة برجوع الأحداث الى الواقع المزري لبطل القصة لتعتبر النهاية نهاية غير متوقعة بالنسبة لأفق القارئ.       

اللغة الفنية التي صيغت بها النصوص القصصية لهذه المجموعة لغة أمازيغية راقية تعتمد الأدبية و الفنية التي يمتلكها الكاتب الوافد من الميدان الشعري بصوره و لغته الشاعرية و الفنية كشاعر له تجارب إبداعية بالأمازيغية و بالفرنسية، إذ سبق للكاتب أن أصدر عدة دواوين بالفرنسية و الأمازيغية.

 المجموعة القصصية للكاتب فريد زالحوض جديرة بالقراءة.